فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

{رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ}
أعقب ذكر نعمة الله عليه بتوجهه إلى مناجاة ربه بالاعتراف بأعظم نعم الدنيا والنعمة العظمى في الآخرة، فذكر ثلاث نعم: اثنتان دنيويتان وهما: نعمة الولاية على الأرض ونعمة العلم، والثالثة: أخروية وهي نعمة الدين الحق المعبر عنه بالإسلام وجعل الذي أوتيه بعضًا من الملك ومن التأويل لأن ما أوتيه بعض من جنس الملك وبعض من التأويل إشعارًا بأن ذلك في جانب مُلك الله وفي جانب علمه شيء قليل.
وعلى هذا يكون المراد بالمُلك التصرف العظيم الشبيه بتصرف المَلِك إذ كان يوسف عليه السلام هو الذي يُسير المَلك برأيه.
ويجوز أن يراد بالمُلك حقيقته ويكون التبعيض حقيقيًا، أي آتيتني بعض المُلك لأن المُلك مجموع تصرفات في أمر الرعية، وكان ليوسف عليه السلام من ذلك الحظُّ الأوفر، وكذلك تأويل الأحاديث.
وتقدم معنى تأويل الأحاديث عند قوله تعالى: {ويعلمك من تأويل الأحاديث} [يوسف: 6] في هذه السورة.
و{فاطر السماوات والأرض} نداء محذوف حرف ندائه.
والفاطر: الخالق.
وتقدم عند قوله تعالى: {قل أغير الله أتخذ وليًا فاطر السماوات والأرض} في سورة الأنعام (14).
والولي: الناصر، وتقدم عند قوله تعالى: {قل أغير الله أتخذ وليًا} في سورة الأنعام.
وجملة: {أنت ولي في الدنيا والآخرة} من قبيل الخبر في إنشاء الدعاء وإن أمكن حمله على الإخبار بالنسبة لولاية الدنيا، قيل لإثباته ذلك الشيء لولاية الآخرة.
فالمعنى: كن وليي في الدنيا والآخرة.
وأشار بقوله: {توفني مسلما} إلى النعمة العظمى وهي نعمة الدين الحق، فإن طلب توفّيه على الدين الحق يقتضي أنه متصف بالدين الحق المعبر عنه بالإسلام من الآن، فهو يسأل الدوام عليه إلى الوفاة.
والمسلم: الذي اتصف بالإسلام، وهو الدين الكامل، وهو ما تعبّدَ اللّهَ به الأنبياء والرسل عليهم السلام.
وقد تقدم عند قوله تعالى: {فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} في سورة آل عمران (102).
والإلحاق: حقيقته جعل الشيء لاَ حقًا، أي مُدركًا من سبقه في السّيْر.
وأطلق هنا مجازًا على المَزيد في عداد قوم.
والصالحون: المتصفون بالصلاح، وهو التزام الطاعة.
وأراد بهم الأنبياء.
فإن كان يوسف عليه السلام يومئذٍ نبيئًا فدعاؤهُ لطلب الدوام على ذلك، وإن كان نُبّئ فيما بعد فهو دعاء لحصوله، وقد صار نبيئًا بعد ورسولًا. اهـ.

.قال الشعراوي:

{رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ}
ونعلم أن الربوبية تعني الخَلْق من عدم، والإمداد من عدم؛ والإقاتة لاستبقاء الحياة، والتزاوج لاستباق النسل، وتسير كل هذه العمليات في تناسق كبير.
فالحق سبحانه أوجد من عدم، واستبقى الحياة الذاتية بالقوت، واستبقى الحياة النوعية بما أباح من تزاوج وتكاثر.
وكل مخلوق له حَظٌّ في عطاء الربوبية، مؤمنًا كان أم كافرًا، وكل مخلوقات الكون مُسخَّرة لكل الخلق، فسبحانه هو الذي استدعى الخَلْق إلى الوجود؛ ولذلك تكفل بما يحقق لهم الحياة.
ويختص الحق سبحانه عباده المؤمنين بعطاء آخر بالإضافة لعطاء الربوبية؛ وهو عطاء الألوهية المتمثل في المنهج.
يقول يوسف عليه السلام مناجيًا ربه: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الملك...} [يوسف: 101]
أي: أنه سبحانه هو الذي أعطاه تلك السيادة، وهذا النفوذ والسلطان؛ فلا أحد يملك قَهْرًا عن الله، وحتى الظالم لا يملك قهرًا عن الله؛ ولذلك يقول الحق سبحانه في آية أخرى من القرآن: {قُلِ اللهم مَالِكَ الملك تُؤْتِي الملك مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخير إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26]
وإتيان المُلْك لا توجد فيه مقاومة ممَّنْ يملك؛ ولكن نَزْع المُلْك هو الذي يقاومه المنزوع منه.
والحق سبحانه هو أيضًا الذي يُعِز مَنْ يشاء، وهو الذي يُذل مَنْ يشاء.
وحين تتغلغل هذه الآية في نفس المؤمن؛ فهو يُوقِن أنه لا مفرَّ من القدر، وأن إيتاء المُلْك خير، وأن نزع الملك خير، وأن الإعزاز خير والإذلال خير؛ كي لا يطغى الإنسان، ولا يتكبر، ولا يُعدِّل في إيمان غيره.
وكان بعض الناس يقولون: لابد أن تُقدر محذوفًا في الآية.
وهم قد قالوا ذلك بدعوى الظن أن هناك خيرين في الآية وشَرَّيْن محذوفين.
وأقول: لا، إن ما تظنه أيها الإنسان أنه شر إنما هو خير يريده الله؛ فكل ما يُجريه الله خير.
وقول يوسف عليه السلام: {آتَيْتَنِي مِنَ الملك...} [يوسف: 101]
يقتضي أن نفهم معنى: {المُلْك}؛ ومعنى المِلْك، ولنا أن نعرف أن كل إنسان له شيء يملكه؛ مثل ملابسه أو قلمه أو أثاث بيته، ومثل ذلك من أشياء، وهذا ما يُسمَّى: المِلْك. أما: {المُلْك} فهو أن تملك مَنْ يملك.
وقد ملَّك الله بعضًا من خَلْقه لخلقه، ملَّكهم أولًا ما في حوزتهم، وملَّكهم غيرهم، وسبحانه ينزع المُلْك من واحد ويهبه لآخر، كي لا تصبح المسألة رَتَابة ذات.
ومثال هذا: هو ما حدث لشاه إيران، وكان له المُلْك، وعنده كل أسباب الحضارة، وفي طَوْعه جيش قوي، ثم شاء الحق سبحانه أن ينزع منه المُلْك، فقام غيره بتفكيك المسامير غير المرئية التي كان الشاه يُثبِّت بها عرشه؛ فزال عنه المُلْك.
وأنت في هذه الدنيا تملك السيطرة على جوارحك؛ تقول لليد إضربي فلان فتضرب يدُك فلانًا، إلى أن يأتي اليوم الآخر فلا يملك الإنسان السيطرة على جوارحه؛ لأن المُلْك يومها يكون لله وحده، فسبحانه القائل: {... لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} [غافر: 16]
ففي اليوم الآخر تنتفي كل الولايات، وتكون الولاية لله وحده.
وبجانب: {المُلْك} والمِلْك؛ هناك الملكوت، وهو ما لا تراه بأجهزة الحواس. وسبحانه يقول: {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السماوات والأرض...} [الأنعام: 75] أي: أن الحق سبحانه قد كشف لإبراهيم أسرار العالم الخفية من المخلوقات، وأنت ترى العلماء وهم يتتبعون أسرار ممالك النباتات والحيوانات؛ فتتعجب من دِقَّة خَلْق الله. ومَنْ وهبه الله دِقَّة العلم وبصيرة العلماء، يرى بإشعاعات البصر والعلم عالم الملكوت، ويستخرج الأسرار، ويستنبط الحقائق.
ويضيف يوسف عليه السلام في مناجاته لربه: {وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحاديث...} [يوسف: 101]
وهو يعترف بفضل الله عليه حين اختصّه بالقدرة على تأويل الأحاديث؛ تلك التي أوَّل بها رُؤْيا الفتييْنِ اللذين كانا معه في السجن؛ وأوَّل رؤيا المِلَك؛ هذا التأويل الذي قاده إلى الحكم، وليس هذا غريبًا أو عجيبًا بالنسبة لقدرة الله سبحانه.
ويقول يوسف شاكرًا لله: {فَاطِرَ السماوات والأرض...} [يوسف: 101]
ومادام سبحانه هو خالق كل شيء؛ فليس غريبًا أن يُعلِّمه سبحانه ما شاء، وكأن إيمان يوسف قد وصل به إلى أن يعلم ما قاله الحق سبحانه: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطيف الخبير} [الملك: 14]
ونحن في حياتنا نجد الذي صنع جهازًا يستفيد منه غيره؛ يوضح مواصفات استعمال الجهاز أو الأداة، حتى ولو كانت نورجًا أو مِحْراثًا؛ وذلك ليضمن للجهاز الحركة السَّوِيَّة التي يؤدي بها الجهاز عمله.
والواحد منا إن تعطلت منه السيارة يستدعي الميكانيكي الذي ينظر ما فيها؛ فإن كان أمينًا، فهو يُشخِّص بدِقَّة ما تحتاجه السيارة، ويُصلِحها، وإن كان غير أمين ستجده يُفسد الصالح، ويزيد من الأعمال التي لا تحتاجها السيارة.
وهكذا نرى أن كل صانع في مجاله يعلم أسرار صنعته، فما بالنا بالخالق الأعظم سبحانه وتعالى؟
إنه خبير عليم بكل شيء.
ولماذا قال يوسف عن الحق سبحانه: {فَاطِرَ السماوات والأرض...} [يوسف: 101]
لأنه يعلم أن الحق سبحانه قد خلق الإنسان؛ والإنسان له بداية ونهاية، لا يعلمها أحد غير الله سبحانه، فقد يموت الإنسان وعمره يوم، أو يموت في بطن أمه، أو بعد مائة سنة، وتمر على الإنسان الأغيار.
أما السماوات والأرض فهي مخلوقات ثابتة، فالشمس لا تحتاج إلى قطعة غيار، ولم تقع، وتعطي الدفء للأرض، وهي مرفوعة عن الأرض؛ لا تقع عليها بمشيئة الله.
والحق سبحانه هو القائل: {... وَيُمْسِكُ السماء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ الله بالناس لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحج: 65]
واسمع قول الحق: {لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} [غافر: 57]
فالإنسان يتغير ويموت؛ أما السماوات والأرض فثابتة إلى ما شاء الله.
ويقول يوسف عليه السلام مواصلًا المناجاة لله: {أَنتَ وَلِيِّي فِي الدنيا والآخرة...} [يوسف: 101]
وصحيح أن الحق سبحانه وليّ ليوسف في الدنيا، وقد نصره وقرَّبه وأعانه؛ بدليل كل ما مَرَّ به من عقبات، ويرجو يوسف ويدعو ألاّ يقتصر عطاء الله له في الدنيا الفانية، وأن يثيبه أيضًا في الباقية، والآخرة.
ومادام سبحانه وليَّه في الدنيا والآخرة؛ فيوسف يدعوه: {... تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بالصالحين} [يوسف: 101]
وقوله: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا...} [يوسف: 101]
إنما بسبب أن يكون أهلًا لعطاء الله له في الآخرة؛ فقد أخذ يوسف عطاء الدنيا واستمتع به، ومَتّع به، ومشى فيه بما يُرضِى الله.
وعند تمنِّي يوسف للوفاة وقف العلماء، وقالوا: ما تمناها أحد إلا يوسف.
فالإنسان إن كان مُوفّقًا في الدنيا، تجده دائم الطموح، وتوَّاقًا إلى المزيد من الخير.
وتحمل لنا ذاكرة التاريخ عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه قَبِل الإمارة، حينما كانوا يجيئون له بثوب ناعم؛ كان يطلب الأكثر منه نعومة، وإذا جِيءَ له بطعام ليِّن؛ كان يطلب الأكثر لُيونة.
وحين صار خليفة؛ كانوا يأتونه بالثوب؛ فيطلب الأكثر خشونة وظن مَنْ حوله أنه لم يَعُدْ منطقيًا مع نفسه، ولم يفهموا أن له نفسًا توَّاقة إلى الأفضل؛ تستشرف الأعلى دائمًا، فحينما تَاقَ إلى الإمارة جاءتْه؛ وحين تاق إلى الخلافة جاءتْه، ولم يَبْقَ بعدها إلا الجنة.
ونجد ميمون بن مهران وكان ملازمًا له؛ رضي الله عنهما؛ دخل عليه مرة فوجده يسأل ربَّه الموت. فقال: يا أمير المؤمنين، أتسأل ربك الموت وقد صنع الله على يديك خيرًا كثيرًا؛ فأحيَيْتَ سُننًا وأَمَتَّ بِدعًا؛ وبقاؤك خير للمسلمين؟
فقال عمر بن عبد العزيز: ألا أكون كالعبد الصالح حينما أتمَّ الله عليه نعمته قال: {... تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بالصالحين} [يوسف: 101]
وقوله: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا...} [يوسف: 101] مكونة من شِقَّين:
الشق الأول: طلب الموت.
والشق الثاني: أن يموت مسلمًا.
وكُلُّنا يُتوفَّى دون أن يطلب، وعلى ذلك يكون الشق الأول غير مطلوب في ذاته؛ لأنه واقع لا محالة، ويصبح المطلوب إذن هو الشق الثاني، وهو أن يتوفاه الله مسلمًا؛ ولذلك حين نأتي إلى القبور نقول: السلام عليكم ديار قوم مؤمنين، أنتم السابقون، وإنَّا إنْ شاء الله بكم لاحقون.
وإنْ قال سائل: ولماذا نقول إن شاء الله بكم لاحقون، رغم أننا سنموت حَتْمًا؟
نقول: إن قولنا إن شاء الله سببه هو رغبتنا أن نلحق بهم كمؤمنين.
وأيضًا قد يسأل سائل: لماذا يقول نبي لربه: {... وَأَلْحِقْنِي بالصالحين} [يوسف: 101]
وهل هناك صالح يأتي إلى هذا العالم دون أن يهتدي بمنهج نبي مرسل؟
نقول: إن كلمة الصالحين تضم الأنبياء وغيرهم من الذين آمنوا برسالة السماء.
وهكذا انتهت قصة يوسف عليه السلام؛ ولذلك يتجه الحق سبحانه من بعد تلك النهاية إلى المُرَاد من القصة التي جاءتْ مكتملة في سورة كاملة، غير بقية قَصَص القرآن التي تتناثر أيٌّ منها في لقطات متفرقة بمواقع مختلفة من القرآن الكريم.
وذلك باستثناء قصة نوح التي جاءت مكتملة أيضًا، لدرجة أن بعض السطحيين قالوا إن هذا تكرار للقصة في لقطات مختلفة ودائمًا أقول ردًا على ذلك: إنه تأسيس للقطات؛ إن اجتمعت جاءت القصة كاملة.
وشاء الحق سبحانه أن تأتي اللقطات متفرقة؛ لأن كل لَقْطة إنما جاءت لمناسبة ما، وكل القَصَص القرآني قد جاء لتثبيت فؤاد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه خلال عمره الرِّسالي الذي استمر ثلاثة وعشرين عامًا تعرَّض لأحداث جِسَام. وكل لحظة كانت تحتاج لتثبيت، فيُنزِل الحق سبحانه ما يُثبِّت به فؤاد رسوله صلى الله عليه وسلم فيوضح له في موقع ما: لا تحزن؛ لأن مَنْ سبقك من الرسل حدث معهم كذا.
بل قد تجد في الواقعة الواحدة لقطتيْن، مثلما جاء في العداوة بين موسى وفرعون.
قال الحق سبحانه: {فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا...} [القصص: 8]
وهنا تكون العداوة من طرف موسى.
ويقول في نفس المسألة أيضًا: {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ...} [طه: 39]
وهنا تكون العداوة من جهتين؛ لأن العداوة تتفاعل حين تكون من جهتين، فلا يمكن أن يستمر عداءٌ من طرف واحد، وتقوم من أجل هذا العداء معركة، لكن حين تكون العداوة من جهتين فهذا يُطيل أَمَد المعركة.
والمثل الثاني هو قول الحق سبحانه في نفس قصة موسى؛ وهي لقطة متقدمة حدثتْ في الأيام الأولى من حياة موسى، وقبل أن تُلقيه أمه في اليَمِّ؛ فقد مهَّد الله لها الأمر.
يقول الحق سبحانه عن ذلك: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تحزني...} [القصص: 7]
وهذا شَحْذٌ لِهمَّتها قبل الحادث، وتنبيه لها من قبل أن يقع، ولحظةَ أن جاء الحادث نفسه أوحى لها الحق سبحانه: {أَنِ اقذفيه فِي التابوت فاقذفيه فِي اليم فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ...} [طه: 39]
والذين قالوا: إن قَصص القرآن جاء مُبعثرًا، قد نسوا أن قصة نوح جاءت في موقع واحد، وجاءت سورة يوسف مَحْبوكة من أول الرؤيا إلى تولي المُلْك، وجمع شَمْل العائلة.
ونزلت القصة في سورة واحدة بعد أن سألوا عنها؛ وهم يعلمون أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يجلس إلى مُعلِّم، ولم يقرأ في كتاب، وتاريخه معروف بالنسبة لهم، وحين يأتي لهم مُوضِّحًا أن الحق سبحانه قد أنزل عليه، فكذَّبوه؛ وادَّعَوْا أنه يسمع لقطة من هنا؛ ولقطة من هناك. حين سألوه أن يأتي بقصة يوسف جاء بها كاملة؛ من أولها إلى آخرها. اهـ.